الاثنين، 9 أغسطس 2021

فأما نقط المصحف وشكله فيقال أن أول من أمر به عبد الملك ابن مروان + اغتباط صاحب القرآن

 

فصل

فأما نقط المصحف وشكله فيقال أن أول من أمر به عبد الملك ابن مروان فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط فأمر الحسن البصرى ويحيى ابن يعمر ففعلا ذلك ويقال أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدولى وذكروا أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى ابن يعمر والله أعلم

وأما كتابة الأعشار على الحواشي فينسب إلى الحجاج أيضا وقيل: بل أول من فعله المأمون وحكى أبوعمرو الدانى عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا وقال مالك: لا بأس به بالحبر فأما بالألوان المصبغة فلا واكره تعداد آي السور في أولها في المصاحف الأمهات فأما ما يتعلم فيه الغلمان فلا أرى به بأسا وقال قتادة: بدأوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا وقال يحيى بن كثير أول ما أحدثوا النقط وقال: هو نور له ثم أحدثوا النقط عند آخر الاى ثم أحدثوا الفواتح والخواتم ورأى إبراهيم النخعى فاتحة سورة كذا فأمر بمحوها وقال: قال ابن مسعود: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه قال أبو عمرو الدانى: ثم قد أطبق المسلمون في ذلك في سائر الآفاق على جواز ذلك في الأمهات وغيرها

معارضة جبريل النبي القرآن

ثم قال البخاري رحمه الله كان جبريل يعرض القرآن على النبي قال مسروق عن فاطمه عن عائشة: أسر إلى رسول الله [ أن جبريل كان يعارضنى بالقرآن كل سنة وإنه عارضنى العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلى ] هكذا ذكره معلقا وقد أسند في مواضع أخر ثم قال: ثنا يحيى بن قزعة ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: [ كان النبي أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في رمضان لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهررمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله القرآق فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة ] وهذا الحديث متفق عليه وقد تقدم الكلام عليه في أول الصحيح وما فيه من الحكم والفوائد والله أعلم

ثم قال: ثنا خالد بن يزيد ثنا أبو بكر عن أبى حصين عن أبى صالح عن أبى هريرة قال: [ كان يعرض على النبي القرآن كل عام مره فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض ]

ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من غير وجه عن أبى بكر وهو ابن عياش عن أبى حصين واسمه عثمان بن عاصم به والمراد من معارضته له بالقرآن كل سنة مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى ليبقى ما بقى ويذهب ما نسخ توكيدا واستثباتا وحفظا ولهذا عارضه في السنة الأخيرة من عمره عليه السلام على جبريل مرتين وعارضه به جبريل كذلك ولهذا فهم عليه السلام اقتراب أجله

وعثمان رضي الله عنه جمع المصحف الإمام على العرضة الأخيرة رضيالله عنه وأرضاه وخص بذلك رمضان من بين الشهور لأن ابتداء الإيحاء كان فيه ولهذا يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه ومن ثم كثر اجتهاد الأئمة في تلاوة القرآن كما تقدم ذكرنا لذلك

القراء من أصحاب النبي

حدثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن عمرو عن إبراهيم عن مسروق ذكر عبد الله ابن عمر وعبد الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه سمعت النبي يقول: [ خذوا القرآن من أربعة: عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب رضي الله عنهم ]

وقد أخرجه البخاري في المناقب في غير موضع ومسلم والنسائي من حديث الأعمش بن أبى وائل عن مسروق به فهؤلاء أربعة: اثنان من المهاجرين الأولين عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبى حذيفة وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي المدينة واثنان من الأنصار معاذ بن جبل وأبي بن كعب وهما سيدان كبيران رضي الله عنهم أجمعين

ثم قال: حدثنا عمر بن حفص ثنا أبى ثنا الأعمش ثنا شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبد الله فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله بضعا وسبعين سورة والله لقد علم أصحاب النبي أنى من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون فما سمعت رادا يقول غير ذلك

حدثنا محمد بن كثير ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: [ كنا بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت فقال: قرأت على رسول الله فقال أحسنت ووجد منه ريح الخمر فقال: أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر ؟ فجلده الحد ]

حدثنا عمر بن حفص ثنا أبى ثنا الأعمش ثنا مسلم عن مسروق قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين انزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم منى بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه

وهذا كله حق وصدق وهو من أخبار الرجل عما يعلم من نفسه مما قد يجهله غيره فيجوز ذلك للحاجة كما قال تعالى إخبارا عن يوسف كما قال لصاحب مصر { اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم } ويكفيه مدحا وثناء قول رسول الله [ استقرئوا القرآن من أربعة ] فبدأ به وقال أبو عبيد ثنا مصعب بن المقدام عن سفيان عن الأعمش عن ابراهيم عن عمرو عن النبي : [ من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد ] وهكذا رواه الإمام أحمد عن أبى معاوية عن الأعمش به مطولا وفيه قصة وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث أبى معاوية به وصححه الدارقطنى وقد ذكرته في مسند عمر وفى مسند الإمام أحمد أيضا عن أبى هريرة أن رسول الله قال: [ من أحب يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد ] وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعو كان يعرف بذلك

ثم قال البخاري: ثنا حفص بن عمر ثنا همام ثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد ورواه مسلم من حديث همام ثم قال البخاري تابعه الفضل عن حسين بن واقد عن ثمامة عن أنس بن مالك حدثنا معلى بن أسد ثنا عبد الله بن المثنى ثنا ثابت وثمامة عن أنس بن مالك قال: مات النبي ولم يجمع القرآن غير أربعة أبوالدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد قال: ونحن ورثناه

فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط وليس هذا هكذا بل الذي لايشك فيه أنه جمعه غير واحد من المهاجرين أيضا ولعل مراده لم يجمع القرآن من الأنصار وهم أبى ابن كعب في الرواية الأولى المتفق عليها وفى الثانية من أفراد البخاري أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد وكلهم مشهورون إلا أبا زيد هذا فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث وقد اختلف في اسمه فقال الواقدي وأسمه قيس بن السكن بن قيس بن ذعور بن حرام بن جندب ابن عامر غنم بن عدى بن النجار وقال ابن نمير: اسمه سعد بن عبيدابن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية من الأوس وقيل: هما اثنان جمعا القرآن حكاه أبوعمر بن عبدالبر وهذا بعيد وقول الواقدى أصح لأنه خزرجى لأن أنسا قال: نحن ورثناه وهم من الخزرج وفى الألفاظ: وكان أحد عمومتي وقال قتادة عن أنس قال افتخر الحيان الأوس والخزرج فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبى عامر ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ ومنا من اجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله : أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد فهذا كله يدل على صحة قول الواقدي وقد شهد أبو زيد هذا - بدرا فيما ذكره غير واحد وقال موسى بن عقبة عن الزهري قتل أبوزيد قيس بن السكن يوم جسر أبى عبيد على رأس خمس عشرة سنة من الهجرة

والدليل على أن من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق رضي الله عنه قدمه رسول الله في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار مع أنه قال: [ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ] فلولا أنه كان اقرأهم لكتاب الله لما قدمه عليهم هذا مضمون ما قرره الشيخ أبو الحسن على بن إسماعيل الأشعرى وقد بسطت تقريرذلك في مسند الشيخين رضي الله عنهما

ومنهم عثمان بن عفان قد قرأه في ركعة كما سنذكره وعلى بن أبى طالب يقال أنه جمعه على ترتيب ما أنزل وقد قدمنا هذا

ومنهم عبد الله بن مسعود وقد تقدم عنه أنه قال: ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وفيم أنزلت ولو علمت أحدا أعلم منى بكتاب الله تبلغه المطى لذهبت إليه

ومنهم سالم مولى أبى حذيفة وكان من السادات النجباء والأئمة النقباء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا

ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبدالمطلب بن عم الرسول وترجمان القرآن وقد تقدم عن مجاهد أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس مرتين أقفه عند كل آية وأسأله عنها

ومنهم عبد الله بن عمرو كما رواه النسائي وابن ماجة من حديث ابن جريج عن عبد الله بن أبى مليكة عن يحيى بن حكيم بن صفوان عن عبد الله بن عمرو قال: [ جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ ذلك رسول الله فقال: اقرأه في شهر ] وذكر تمام الحديث

ثم قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل أنا يحيى عن سفيان عن حبيب ابن أبى ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال عمر: على أقضانا وأبى أقرؤنا وإنا لندع من لحن أبى وأبى يقول أخذته من في رسول الله فلا أتركه لشىء قال الله تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } وهذا يدل على أن الرجل الكبير قد يقول الشىء يظنه صوابا وهو خطأ في نفس الأمر ولهذا قال الامام مالك: ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر أي فكله مقبول صلوات الله وسلامه عليه

ثم ذكر البخاري فضل فاتحة الكتاب وغيرها وذكرنا في كل سورة عندها ليكون ذلك أنسب ثم قال: نزول السكينة والملائكة عند القراءة

وقال الليث: حدثني يزيد بن الهاد بن محمد بن ابراهيم عن الحضير قال: [ بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده اذ جالت الفرس فسكت فسكنت فقرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف وكان ابنه يحيىقريبا منها فأشفق أن تصيبه فلمااجتره رفع رأسه إلى السماء حتى يراها فلما أصبح حدث النبي فقال: اقرأ يا ابن حضير اقرأ يا ابن حضير قال: فأشفقت أن تطأ يحيى وكان منها قريبا فرفعت رأسى فانصرفت إليه فرفعت رأسي الى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها قال وتدرى ما ذاك قال: لا قال: تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم ]

قال ابن الهاد: وحدثني هذا الحديث عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدرى عن أسيد بن الحضير

هكذا أورد البخاري هذا الحديث معلقا وفيه انقطاع في الرواية الأولى فان محمدا بن ابراهيم بن الحارث التيمى المدني تابعى صغير لم يدرك أسيدا لانه مات سنة عشرين وصلى عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ثم فيه غرابة من حيث انه قال: وقال الليث: حدثني يزيد بن الهاد ولم أره بسند متصل عن الليث بذلك إلا ما ذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر في الأطراف أن يحيى بن عبد الله بن بكير رواه عن الليث كذلك

وقد رواه الإمام أبو عبيد في فضائل القرآن فقال: وحدثنا عبد الله بن صالح ويحيى بن بكير عن الليث عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمى عن أسيد بن حضير فذكر الحديث إلى آخره ثم قال: قال ابن الهاد: وحدثني عبد الله بن خباب عن أبى سعيد بن أسيد بن حضير بهذا الحديث

وقد رواه النسائي في فضائل القرآن عن محمد بن عبد الله بن عبدالحكم عن شعيب بن الليث وعن على بن محمد بن على عن داود بن منصور كلاهما عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبى هلال عن يزيدابن عبد الله - وهو ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبى سعيد عن أسيد به ورواه يحيى بن بكير عن الليث كذلك أيضا فجمع بين الإسنادين ورواه في المناقب عن أحمد بن سعيد الرباطى عن يعقوب بن ابراهيم عن أبيه عن يزيد ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبى سعيد أن أسيد ابن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده الحديث ولم يقل عن أسيد ولكن ظاهره أنه عنه والله أعلم

وقال أبو عبيد: حدثني عبد الله بن صالح عن الليث عن ابن شهاب عن أبى كعب بن مالك عن أسيد بن حضير أنه كان يقرأ على ظهر بيته يقرأ القرآن وهو حسن الصوت ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه

وحدثنا قبيصة عن حماد بن سلمة عن ثابت البنانى عن عبدالرحمن ابن أبى ليلى عن أسيد بن حضير قال: [ قلت يا رسول الله بينما أنا اقرأ البارحة بسورة فلما انتهيت إلى آخرها سمعت وجبة من خلفى حتى ظننت أن فرسى تطلق فقال رسول : اقرأ أبا عتيك مرتين قال: فالتفت فرأيت الىأمثال المصابيح ما بين السماء والأرض فقال رسول الله : إقرأ أبا عتيك فقال: والله ما استطعت أن أمضى فقال: تلك الملائكة تنزلت لقراءة القرآن أما أنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب ]

وقال أبو داود الطيالسي:

ثنا شعبة عن أبى إسحق سمع البراء يقول: [ بينما رجل يقرأ سورة الكهف ليلة إذ رأى دابته تركض - أو قال فرسه يركض - فنظر فإذا مثل الضبابة أو مثل الغمامة فذكر ذلك لرسول الله فقال: تلك السكينة تنزلت للقرآن - أو تنزلت على القرآن ]

وقد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث شعبة

والظاهر أن هذا هو أسيد بن الحضير رضي الله عنه فهذا يتعلق بصناعة الإسناد وهذا من أغرب تعليقات البخاري رحمه الله ثم سياقه ظاهر فيما ترجم عليه من نزول السكينة والملائكة عند القراءة وقد اتفق نحو هذا الذي وقع لأسيد بن الخضير لثابت بن قيس بن شماس كما قال أبو عبيد: ثنا عباد بن عباد عن جرير بن حازم عن عمه جرير بن يزيد أن أشياخ أهل المدينة حدثوه [ أن رسول الله قيل له: ألم تر ثابت بن قيس ابن شماس ؟ لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح قال: فلعله قرأ سورة البقرة قال فسئل ثابت فقال: قرأت سورة البقرة ]

وفى الحديث المشهور الصحيح: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا تنزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده

رواه مسلم عن أبى هريرة ولهذا قال الله تعالى: { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } جاء في بعض التفاسيرأن الملائكة تشهده وقد جاء في الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله : [ يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر فيعرج إليه الذين نزلوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم كيف تركتم عبادى ؟ فيقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون ]

من قال لم يترك النبي إلا ما بين الدفتين

حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا سفيان عن عبدالعزيز بن رفيع قال: [ دخلت وشداد بن معقل على ابن عباس فقال له شداد بن معقل: أترك النبي من شىء ؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين ]

تفرد به البخاري ومعناه أنه ما ترك مالا ولا شيئا يورث عنه كما قال عمرو بن الحارث أخو جويرية: ما ترك رسول الله دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا وفى حديث أبى الدرداء: إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه بحظ وافر ولهذا قا ل ابن عباس: وإنما ترك ما بين الدفتين يعنى القرآن والسنة مفسرة له ومبينة وموضحة أي تابعة له والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى كما قال تعالى: { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } الآية

فالأنبياء عليهم السلام لم يخلقوا للدنيا يجمعونها ويورثونها وإنما خلقوا للآخرة يدعون اليها ويرغبون فيها ولهذا قال رسول الله : [ مما تركنا فهو صدقة ] وكان أول من أظهر هذه المحاسن من هذا الوجه أبوبكر الصديق رضي الله عنه لما سئل ميراث رسول الله فأخبر عنه بذلك ووافقه على نقله عنه عليه السلام غير واحد من الصحابة منهم عمر وعثمان وعلى والعباس وطلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف وأبو هريرة وعائشة وغيرهم وهذا ابن عباس يقوله أيضا عنه عليه السلام رضي الله عنهم أجمعين

فضل القرآن على سائر الكلام

حدثنا هدبة بن خالد أبو خالد ثنا همام ( ثنا قتادة ) ثنا أنس بن مالك عن أبى موسى رضي الله عنهما عن النبي قال: [ مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب والذي لايقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل الفاجر الذي لايقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مرولاريح لها ]

وهكذا رواه في مواضع أخر مع بقية الجماعة من طرق عن قتادة به ووجه مناسبة الباب لهذا الحديث أن طيب الرائحة دار مع القرآن وجودا وعدما فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر ثم قال: ثنا مسدد ثنا يحيى عن سفيان حدثني عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: [ انما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال: من يعمل لى إلى نصف النهار على قيراط ؟ فعملت اليهود فقال: من يعمل لى من نصف النهار إلى العصر ؟ فعملت النصارى ثم أنتم تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين قالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال: هل ظلمتكم من حقكم شيئا ؟ قالوا: لا قال: فذاك فضلى أوتيته من شئت ]

تفرد به من هذا الوجه ومناسبته للترجمة أن هذه الأمة مع قصر مدتها فضلت الأمم الماضية مع طول مدتها كما قال تعالى: { كنتم خير أمة أخرجت للناس }

وفى المسند والسنن عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله : [ أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ] وإنما فازوا بهذا ببركة الكتاب العظيم القرآن الذي شرفه الله على كل كتاب أنزله وجعله مهيمنا عليه وناسخا له وخاتما له لأن كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة وهذا القرآن نزل بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزل عليه فكل مرة كنزول كتاب من الكتب المتقدمة وأعظم الأمم المتقدمة هم اليهود والنصارى فاليهود استعملهم الله من لدن موسى إلى زمان عيسى والنصارى من ثم إلى أن بعث محمدا ثم استعمل أمته إلى قيام الساعة وهو المشبه بآخر النهار وأعطى المتقدمين قيراطا قيراطا وأعطى هؤلاء قيراطين ضعفى ما أعطى أولئك فقالوا أي ربنا ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا ؟ فقال: هل ظلمتكم من أجركم شيئا ؟ قالوا: لا قال: فذاك فضلى - أي الزائد على ما أعطيتكم أوتيه من اشاء كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم * لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم }

الوصاة بكتاب الله

حدثنا محمد بن يوسف ثنا مالك بن مغول ثنا طلحة هو ابن مصرف [ سألت عبد الله بن أبى أوفى: أوصى النبي ؟ قال: لا قال: قلت فكيف كتب على الناس الوصية أمروا بها ولم يوص ؟ قال: أوصى بكتاب الله تعالى ]

وقد رواه في مواضع أخر مع بقية الجماعة إلا أبا داود من طرق عن مالك ابن مغول به وهذانظير ما تقدم عن ابن عباس أنه ما ترك إلا ما بين الدفتين وذلك أن الناس كتب عليهم الوصية في أموالهم كما قال تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } وأما هو فلم يترك شيئا يورث عنه وأما له صدقة جارية من بعده فلم يحتج إلى وصية في ذلك ولم يوص الى خليفة يكون بعده على التنصيص لأن الأمر كان ظاهرا من إشاراته وايماءاته إلى الصديق ولهذا لما هم بالوصية إلى أبى بكر ثم عدل عن ذلك قال: [ يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ] وكان كذلك وإنما أوصى الناس باتباع كلام الله

من لم يتغن بالقرآن

وقول الله تعالى { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم }

حدثنا يحيى بن بكير: ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبى هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله ؟ [ لم يأذن الله لشىء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن ] وقال صاحب له: يريد يجهر به فرد من هذا الوجه ثم رواه عن على بن عبد الله بن المدينى عن سفيان بن عيينة عن الزهري به قال سفيان: تفسيره يستغني به

وقد أخرجه مسلم والنسائي من حديث سفيان بن عيينه به ومعناه أن الله تعالى ما استمع لشىء كاستماعه لقراءة نبى يجهر بقراءته ويحسنها وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية وذلك هو الغاية في ذلك وهو سبحانه وتعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم كما قالت عائشة رضي الله عنها: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم كما قال تعالى { وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه } الآية ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ كما دل عليه هذا الحديث العظيم ومنهم من فسرالاذن ههنا بالأمر والأول أولى لقوله: [ ما أذن الله لشىء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن ] أي يجهر والاذن الاستماع لدلالة السياق عليه وكما قال تعالى { إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت * وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت * وأذنت لربها وحقت } أي استمعت لربها وحقت أي وحق لها أن تستمع أمره وتطيعه فالاذن ههنا هو الاستماع ولهذا جاء في حديث رواه ابن ماجه بسند جيدعن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله : [ لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلي قينته ]

وقول سفيان بن عيينة أن المراد بالتغنى به فان أرادأنه يستغنى به عن الدنيا وهو الظاهرمن كلامه الذي تابعه عليه أبوعبيدالقاسم بن سلام وغيره فخلاف الظاهر من مراد الحديث لأنه قد فسر بعض رواته بالجهر وهوتحسين القراءة والتحزين بها قال حرملة سمعت ابن عيينة يقول معناه يستغنى به فقال لى الشافعى ليس هو هكذا ولو كان هكذا لكان يتغانى إنما هو يتحزن ويترنم به قال حرملة وسمعت ابن وهب يقول: يترنم به وهكذا نقل المزنى والربيع عن الشافعى رحمه الله

وعلى هذا فتصدير البخاري الباب بقوله تعالى { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون } فيه نظر لأن هذه الآية ذكرت ردا على الذين سألو آيات تدل على صدقه حيث قال { وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين * أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } الآية ومعنى ذلك أو لم يكفهم آية دالة على صدقك إنزالنا القرآن عليك وأنت رجل أمي { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون } أي وقد جئت فيه بخبر الأولين والآخرين فأين هذا من التغنى بالقرآن وهو تحسين الصوت به أو الاستغناء به عما عداه من أمور الدنيا ؟ فعلى كل تقدير تصدير الباب بهذه الآية فيه نظر

فصل: فى إيراد أحاديث في معنى الباب وذكر أحكام التلاوة بالأصوات

قال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح عن قباث بن رزين عن على بن رباح اللخمى عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله يوما ونحن في المسجد نتدارس القرآن قال: [ تعلموا كتاب الله واقتنوه - قال: وحسبت أنه قال وتغنوا به - فوالذي نفسى بيده لهو اشد تفلتا من المخاض العقل ] وحدثنا عبد الله بن صالح عن موسى بن على عن أبيه عن عقبة عن رسول الله مثل ذلك إلا أنه قال: [ واقتنوه وتغنوا به ] ولم يشك

وهكذا رواه النسائي في كتاب فضائل القرآن من حديث موسى بن على عن أبيه به ومن حديث عبد الله بن يزيد المقرى عن قباث بن رزين عن على ابن رباح عن عقبة - وفى بعض ألفاظه: [ خرج علينا ونحن نقرأ القرآن فسلم علينا وذكرالحديث ففيه دلالة على السلام على القارىء ] وقال أبو عبيد: ثنا أبو اليمان عن أبى بكر بن عبد الله بن أبى مريم المهاجر ابن حبيب قال: قال رسول الله : [ يا أهل القرآن لا توسدوا القرآن واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار وتغنوه وتقنوه واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون ] وهذا مرسل ثم قال أبو عبيد: قوله تغنوه أي اجعلوه غناءكم من الفقر ولاتعدوا الإقلال معه فقرا وقوله وتقنوه يقول: اقتنوه كما تقتنوا الأموال اجعلوه ما لكم

وقال أبوعبيد: حدثني هشام بن عمار بن يحيى بن حمرة عن الأوزاعي قال: حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر عن فضالة بن عبيد عن النبي قال: [ لله أشد أذنا الى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته ]

قال أبو عبيد: هذا الحديث بعضهم يزيد في إسناده يقول عن إسماعيل عبيد الل ه عن مولى فضالة عن فضالة وهكذا رواه ابن ماجة عن راشد سعيد بن أبى راشد عن الوليد عن الأوزاعى عن إسماعيل بن عبيد الله عن ميسرة مولى فضالة عن فضالة عن النبي : [ لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرأن من صاحب القينة إلى قينته ]

قال أبو عبيد: يعنى الاستماع وقوله في الحديث الاخر [ ما أذن الله لشىء ] أي ما استمع

وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا محمد بن حميد ثنا سلمة بن الفضل ثنا عبد الله بن عبدالرحمن بن أبى مليكة حدثنا القاسم بن محمد حدثني السائب قال: [ قال لى سعد: يا ابن أخى هل قرأت القرآن ؟ قلت: نعم قال: غن به فإنى سمعت رسول الله يقول: غنوا بالقرآن ليس منا من لم يغن بالقرآن وابكوا فإن لم تقدروا على البكاء فتباكوا ]

وقد روى أبو داود من حديث الليث عن عبد الله بن أبى مليكة عن عبد الله بن أبى نهيك عن سعد بن أبى وقاص قال: قال رسول الله : [ إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكو فتباكوا وتغنوا به فمن لم يتغن به فليس منا ] وفى الحديث كلام طويل يتعلق بسنده ليس هذا موضعه والله أعلم

وقال أبو داود: ثنا عبد الأعلى بن حماد ثنا عبدالجبار بن الورد قال: [ سمعت ابن أبى مليكة يقول: قال عبيد الله بن أبى زيد: مر بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فدخلنا عليه فإذا رجل رث البيت رث الهيئة ( فانتسبنا له فقال: تجار كسبة ) فسمعته يقول: سمعت رسول الله يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن ] قال: فقلت لابن أبى مليكة يا أبا محمد أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال: يحسنه ما استطاع تفرد به أبو داود فقد فهم من هذا أن السلف رضي الله عنهم إنما فهموا من التغنى بالقرآن إنما هو تحسين الصوت به وتحزينه كما قال الأئمة رحمهم الله ويدل على ذلك أيضا ما رواه أبو داود حيث قال: ثنا عثمان بن أبى شيبة ثنا جرير عن الأعمش عن طلحة عن عبدالرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال قال رسول الله : [ زينوا القرآن بأصواتكم ]

وأخرجه النسائي وأبن ماجة من حديث شعبة عن طلحة وهذا اسناد جيد وقد وثق النسائي وابن حبان عبدالرحمن بن عوسجة هذا ونقل الأزدي عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: سألت عنه بالمدينة فلم يحمدونه

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال نهاني أيوب أن أحدث بهذا الحديث [ زينوا القرآن بأصواتكم ] قال أبو عبيد: وانما كره أيوب فيما نرى أن يتأول الناس بهذا الحديث الرخصة من رسول الله في الألحان المبتدعة فلهذا نهاه أن يحدث به ( قلت ): ثم إن شعبة رحمه الله روى الحديث متوكلا على الله كما روى له وولو ترك كل حديث يتأوله مبطل لترك من السنة شيء كثير بل قد تطرقوا إلى تأويل آيات كثيرة من القرآن وحملوها على محاملها الشرعية المرادة وبالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله والمراد تحسين الصوت بالقرآن تطريبه وتحزينه والتخشع به كما رواه الحافظ الكبير تقى بن مخلد رحمه الله حيث قال: ثنا أحمد بن ابراهيم عن أبى موسى عن أبيه قال: [ قال لى رسول الله ذات يوم: يا أبا موسى لو رأيتنى وأنا أستمع قراءتك البارحة قلت أما والله لو علمت آنك تسمع قراءتى لحبرتها لك تحبيرا ]

رواه مسلم من حديث طلحة به وزاد [ لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ] وسيأتى هذا في - بابه حيث يذكره البخاري والغرض أن أبا موسى قال: لو أعلم أنك تسمعه لحبرته لك تحبيرا فدل على جواز تعاطى ذلك وتكلفه وقد كان أبو موسى كما قال عليه السلام: قد أعطى صوتا حسنا - كما سأذكره إن شاء الله - مع خشية تامة ورقة أهل اليمن فدل على أن هذامن الأمور الشرعية قال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن أبى سلمة قال: كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى فيقرأ عنده قال أبو عبيد: ثنا سليمان التيمى أو نبئت عنه ثنا أبو عثمان النهدى كان أبو موسى يصلى بنا فلو قلت أنى لم أسمع صوت صنج قط ولايربط قط ولاشيئا قط أحسن من صوته

وقال ابن ماجه: حدثنا العباس بن الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم حدثني حنظلة بن أبى سفيان أنه سمع عبد الرحمن بن سابط الجمحي يحدث عن عائشة قالت: [ أبطأت على رسول الله ليلة بعدالعشاء ثم جئت فقال: أين كنت ؟ قلت: كنت أسمع قراءة رجل من أصحابك مثل قراءته وصوته من أحد قالت: فقام فقمت معه حتى استمع له ثم التفت إلى فقال: هذا سالم مولي أبى حذيفة الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا ] إسناد جيد وفى الصحيحين عن جبير بن مطعم قال: [ سمعت رسول الله يقرأ في المغرب بالطور فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه وفي بعض ألفاظه فلما بلغ هذه الآية { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون } كاد قلبي أن يطير وكان جبير لما سمع هذا بعد مشركا على دين قومه وإنما كان قدم في فداء الأساري بعد بدر وناهيك بمن تؤثر قراءته في المشرك المصر على الكفر هذا سبب هدايته ولهذا كان أحسن القراءات ما كان عن خشوع القلب كما قال قال أبو عبيد: ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ليث عن طاوس قال: أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله وحدثنا قبيصة عن سفيان عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه وعن الحسن بن مسلم عن طاوس قال: سئل رسول الله أي الناس أحسن صوتا بالقرآن ؟ فقال: الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله ]

وقد روى هذا متصلا من وجه آخر فقال ابن ماجه حدثنا بشر بن معاذ الضرير ثنا عبد الله بن جعفر المدينى ثنا ابراهيم بن اسماعيل بن مجمع عن الزبير عن جابر قال: قال رسول الله : [ ان من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله ] ولكن عبد الله بن جعفر هذا - وهو والد على بن المدينى - وشيخه ضعيفان والله أعلم والغرض أن المطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والإنقياد للطاعة فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائى فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك كما قال الإمام العلم عبيد القاسم بن سلام رحمه الله حدثنا نعيم بن حماد عن بقية ابن الوليد عن حصين بن مالك الفزارى قال سمعت شيخا يكنى أبا محمد يحدث عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله : [ اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر وسيجىء قوم من بعدى بالقرآن يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح لايجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم ]

وحدثنا يزيد عن شريك عن أبى اليقظان عثمان بن عمير زاذان أبي عمر عن عليم قال: [ كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي قال يزيد لا أعلمه الا قال عابس الغفارى فرأى الناس يخرجون في الطاعون قال: ما هولاء ؟ قال يفرون من الطاعون فقال يا طاعون خذني فقالوا أتتمنى الموت وقد سمعت رسول الله يقول: لايتمنين أحدكم الموت فقال: إنى أبادر خصالا سمعت رسول الله يتخوفهن على أمته بيع الحكم والاستخفاف بالدم وقطيعة الرحم وقوم يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بافقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء وذكر خلتين آخرتين ] وحدثنا يعقوب بن إبراهيم عن ليث بن أبى سليم عن عثمان بن عمير عن زاذان عن عابس الغفارى عن النبي مثل ذلك أو نحوه وحدثنا يعقوب عن ابراهيم عن الأعمش عن رجل عن أنس أنه سمع رجلا يقرأ القرآن بهذه الألحان التى أحدث الناس فأنكر ذلك ونهى عنه. وهذه طرق حسنة

باب الترهيب

وهذا يدل على أنه محذور كبير وهو قراءة القرآن بالألحان التى يسلك بها مذاهب الغناء وقد نص الأئمة رحمهم الله على النهى عنه فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا فقد اتفق العلماء على تحريمه والله أعلم

وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا محمد بن معمر ثنا روح ثنا عبيدالله بن الأخنس عن ابن أبى مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله [ ليس منا من لم يتغن بالقرآن ] ثم قال: إنما ذكرنا هذا لتبيين الاختلاف على ابن أبى مليكة فيه فرواه عبدالجبار بن الورد عنه عن ابن أبى مليكة عن أبى لبابة ورواه عمرو بن دينار والليث عنه عن أبى نهيك عن سعد ورواه عسل بن سفيان عنه عن عائشة ورواه نافع مولى ابن عمر عنه عن ابن الزبير

اغتباط صاحب القرآن 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق