الاثنين، 9 أغسطس 2021

أقرأنى جبريل عليه السلام على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدنى حتى انتهى إلى سبعة أحرف

 

حدثنا سعيد بن عفير ثنا الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال حدثني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس حدثه أن رسول الله ﷺ قال [ أقرأنى جبريل عليه السلام على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدنى حتى انتهى إلى سبعة أحرف ]

وقد رواه أيضا في بدء الخلق ومسلم من حديث يونس ومسلم أيضا عن معمر كلاهما عن الزهري بنحوه ورواه ابن جرير من حديث الزهري به ثم قال الزهري: بلغنى أن تلك السبعة الأحرف إنما هى في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا في حرام وهذا مبسوط في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حيث قال: حدثنا يزيد ويحيى بن سعيد كلاهما عن حميد الطويل عن أنس بن مالك عن أبي بن كعب قال: [ ما حك في صدري شىء منذ أسلمت إلا أنني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي فقلت: أقرأنيها رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله أقرأتني آية كذا وكذا ؟ قال: نعم وقال الآخر: أليس تقرئني آية كذا وكذا قال: نعم فقال: إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل: أقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل: استزده حتى بلغ سبعة أحرف وكل حرف كاف شاف ]

وقد رواه النسائي من حديث يزيد - وهو ابن هارون - ويحيى بن سعيد القطان كلاهما عن حميد الطويل عن أنس عن أبي بن كعب بنحوه وكذا رواه ابن أبى عدى ومحمود بن ميمون الزعفراني ويحيى بن أيوب كلهم عن حميد به وقال ابن جرير ثنا محمد بن مرزوق ثنا أبو الوليد ثنا حماد بن سلمة بن حميد عن أنس بن عبادة بن الصامت عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله ﷺ: [ أنزل القرآن على سبعة أحرف ] فأدخل بينهما عبادة بن الصامت

وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبى خالد حدثني عبد الله بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبي بن كعب قال: [ كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فقمنا جميعا فدخلنا على رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل هذا فقرأ سوى قراءة صاحبه فقال لهما النبي ﷺ: ] اقرءا - فقرءا فقال - أصبتما [ فلما قال لهما النبي ﷺ الذي قال كبر علي ولا إذا كنت في الجاهلية فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله فرقا فقال: يا أبي إن الله أرسل إلي أن اقرأ القران على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إلي أن أقرأ على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل أن أقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة مسألة تسألينها - قال - قلت: اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام ] وهكذا رواه مسلم من حديث إسماعيل بن أبى خالد به

وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب ثنا محمد بن تفضيل عن اسماعيل بن أبى خالد عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبيه عن جده عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله ﷺ: [ إن الله أمرنى أن اقرأ القرآن على حرف واحد فقلت: رب خفف عن أمتي فقال: اقرأه على حرفين فقلت: رب خفف عن أمتي فأمرنى أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنة كلها شاف كاف ]

وقال ابن جرير: حدثني يونس عن ابن وهب أخبرني هشام بن سعد عن عبيد الله ابن عمر عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبي بن كعب أنه قال: [ سمعت رجلا يقرأ في سورة النحل قراءة تخالف قراءتي ثم سمعت آخر يقرؤها بخلاف ذلك فانطلقت بهما إلى رسول الله ﷺ فقلت: إنى سمعت هذين يقرآن في سورة النحل فسألتهما من أقرأهما ؟ فقالا: رسول الله ﷺ فقلت: لأذهبن بكما إلى رسول الله ﷺ إذ خالفتما ما أقرأني رسول الله فقال رسول الله ﷺ لأحدهما: أقرأ - فقرأ فقال - أحسنت - ثم قال للآخر اقرأ - فقرأ - فقال - أحسنت قال أبي: فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى احمر وجهي فعرف ذلك رسول الله ﷺ في وجهى فضرب يده في صدرى ثم قال: اللهم أخسىء الشيطان عنه يا أبي أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد فقلت: رب خفف عن أمتي ثم أتاني الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين فقلت: رب خفف عن أمتي ثم أتاني الثالثة فقال مثل ذلك وقلت مثل ذلك ثم أتاني الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف ولك بكل ردة مسألة - فقال - يارب اللهم اغفر لأمتي يارب اغفر لأمتي واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي يوم القيامة ] اسناد صحيح

قلت: وهذا الشك الذي حصل لأبى في تلك الساعة هو - والله أعلم - السبب الذي لأجله قرأ عليه رسول الله قراءة اعلام وابلاغ ودواء لما كان حصل له سورة { لم يكن } إلى آخرها لاشتمالها على قوله تعالى

{ رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة } وهذا نظير تلاوته سورة الفتح حين أنزلت مرجعه من الحديبية على عمر بن الخطاب وذلك لما كان تقدم له من الأسئلة لرسول الله ﷺ ولأبى بكر الصديق وفيها قوله تعالى { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين }

وقال ابن جرير: ثنا محمد بن مثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن أبى ليلى عن أبي بن كعب [ أن رسول الله كان عند أضاة بنى غفار فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف قال: أسأل الله معافاته ومغفرته فإن أمتي لا تطيق ذلك قال: ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين قال: أسأل الله معافاته ومغفرته ان أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف قال: أسأل الله معافاته ومغفرته إن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا ]

وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية شعبة به

وفى لفظ لأبي داود عن أبي بن كعب قال: قال لرسول الله ﷺ: [ إنى اقرئت القرآن فقيل: على حرف أو حرفين ؟ فقال الملك الذي معى: قل على حرفين فقيل لى: على حرفين أو ثلاثة ؟ فقال الملك الذي معى: قل على ثلاثة حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال: ليس منها الا شاف كاف ان قلت سميعا عليما عزيزا حكيما ما لم تخلط آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب ]

وقد روى ثابت بن قاسم نحوا من هذا عن أبى هريرة عن النبي صلى اله عليه وسلم ومن كلام ابن مسعود نحو ذلك

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن على الجعفى عن زائدة عن عاصم عن زر عن أبى قال: لقى رسول الله ﷺ جبريل عند أحجار المرا فقال رسول الله ﷺ لجبريل: [ إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الشيخ ( الفاني ) والعجوز الكبيرة والغلام فقال: مرهم فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف ] وأخرجه الترمذي من حديث عاصم بن أبى النجود عن زر عن حذيفة أن رسول الله ﷺ لقى جبريل عند أحجار المرا فذكر الحديث والله أعلم وهكذا رواه أحمد عن خالد عن حماد عن عاصم عن زر عن حذيفة أن رسول الله ﷺ قال: [ لقيت جبريل عند أحجار المرا فقلت يا جبريل انى أرسلت أمة أمية الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ ( الفاني ) الذي لم يقرأ كتابا قط فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ]

وقال أحمد أيضا: ثنا وكيع وعبد الرحمن عن سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن ربعي ابن خراش قال: حدثني من لم يكذبنى - حذيفة - [ قال: لقى النبي ﷺ عند أحجار المرا فقال: ان أمتك يقرءون القرآن على سبعة أحرف فمن قرأ منهم فليقرأ كما علم ولا يرجع عنه ] وقال عبد الرحمن: [ إن من أمتك الضعيف فمن قرأعلى حرف فلا يتحول عنه إلى غيره رغبة عنه ] هذا إسناد صحيح ولم يخرجوه

( حديث آخر ) في معناه عن سليمان بن صرد: قال ابن جرير: ثنا إسماعيل بن موسى السدى ثنا شريك عن أبى إسحاق عن سليمان بن صرد يرفعه قال: [ أتاني ملكان فقال أحدهما: اقرأ قال: على كم ؟ قال: على حرف قال: زده حتى انتهى إلى سبعة أحرف ]

ورواه النسائي في اليوم والليلة عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام عن اسحاق الأزرق عن العوام بن حوشب عن أبى إسحاق عن سليمان ابن صرد قال: أتىأبى ابن كعب رسول الله ﷺ برجلين اختلفا في القراءة فذكر الحديث

وهكذا رواه أحمد بن منيع عن يزيد بن هارون عن العوام عن أبى اسحاق عن سليمان بن صرد عن أبى أنه أتى النبي ﷺ برجلين فذكره

وقال ابن جرير: ثنا أبو كريب ثنا يحيي بن آدم ثنا إسرائيل عن أبى إسحاق عن فلان العبدى - قال ابن جرير: ذهب عنى اسمه - عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب قال [: رحت إلى المسجد فسمعت رجلا يقرأ فقلت: من أقرأك ؟ قال: رسول الله ﷺ فانطلقت به إلى رسول الله ﷺ فقلت: استقرىء هذا قال: فقرأ فقال: أحسنت قال: قلت: إنك اقرأتنى كذا وكذا فقال: وأنت قد أحسنت قال: فقلت: قد أحسنت قد أحسنت قال: فضرب بيده على صدرى ثم قال: ] اللهم أذهب عن أبى الشك [ قال: ففضت عرقا وامتلأ جوفى فرقا قال الآخر: زده قال: قلت زدنى فقال: اقرأه على حرفين حتى بلغ سبعة أحرف اقرأه على سبعة أحرف ]

وقد رواه أبو عبيد عن حجاج عن إسرائيل عن أبى اسحاق عن سقير العبدى عن سليمان بن صرد عن أبي عن النبي ﷺ بنحو ذلك

ورواه أبو داوود عن أبى الوليد الطيالسي عن همام عن قتادة عن يحيى بن عمر عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب بنحوه

فهذا الحديث محفوظ من حيث الجملة عن أبى ابن كعب والظاهر أن سليمان بن صرد الخزاعى شاهد ذلك والله أعلم

( حديث آخر عن أبى بكرة ) قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرحمن عفان بن مهدى عن حماد بن سلمة عن على بن زيد عن عبد الرحمن ابن أبى بكرة عن أبيه عن النبي ﷺ قال: [ أتاني جبريل وميكائيل عليهما السلام فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد فقال ميكائيل: استزده قال: اقرأ القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب برحمة ] وهكذا رواه ابن جرير عن أبى كريب عن زيد بن الحباب عن حماد بن سلمة به وزاد في آخره كقولك: هلم وتعال

( حديث آخر عن سمرة ) قال الإمام أحمد: ثنا بهز - وعفان كلاهما عن حماد بن سلمة أنا قتادة عن الحسن عن سمرة أن رسول الله ﷺ قال: [ أنزل القرآن على سبعة أحرف ] إسناد صحيح ولم يخرجوه ( حديث آخر عن أبى هريرة ) - قال الإمام أحمد: ثنا أنس بن عياض حدثني أبو حازم عن أبى سلمة لا أعلمه إلا عن أبى هريرة أن رسول الله ﷺ قال: [ نزل القرآن على سبعة أحرف المراء في القرآن كفر - ثلاث مرات - فما علمتم منه فاعملوا وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه ] رواه النسائي عن قتيبة عن أبي ضمرة أنس بن عياض به

( حديث آخر عن أم أيوب ) قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عبيد الله - وهو ابن أبى يزيد - عن أبيه عن أم أيوب - يعنى امرأة أبى أيوب الأنصارية - أن رسول الله ﷺ قال: [ أنزل القرآن على سبعة أحرف أيها قرأت أجزاك ]

وهذا إسناد صحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة

( حديث آخر عن أبى جهم ) - قال أبوعبيد: ثنا إسماعيل بن جعفر عن يزيد ابن خصيفة عن مسلم بن سعيد مولى الحضرمي - وقال غيره عن بسر بن سعيد - عن أبى جهم الأنصاري أن رجلين اختلفا في آية من القرآن كلاهما يزعم أنه تلقاها من رسول الله ﷺ فمشيا جميعا حتى أتيا رسول الله ﷺ فذكر أبو جهم أن رسول الله ﷺ قال: [ إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فلا تماروا فإن مراء فيه كفر ]

وهكذا رواه أبو عبيد على الشك وقد رواه الإمام أحمد على الصواب فقال: حدثنا أبو سلمة الخزاعى ثنا سليمان بن بلال حدثني يزيد بن خصيفة أخبرني بسر بن سعيد حدثني أبو جهم [ أن رجلين اختلفا في آية من القرآن قال هذا: تلقيتها من رسول الله ﷺ وقال هذا: تلقيتها من رسول الله ﷺ فسألا النبي ﷺ فقال: القرآن يقرأ على سبعة أحرف فلا تماروا في القرآن فإن مراء في القرآن كفر ] وهذا إسناد صحيح أيضا ولم يخرجوه

ثم قال أبو عبيد: ثنا عبد بن صالح عن الليث عن يزيد بن الهاد عن محمد بن ابراهيم عن بسر بن سعيد عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص [ أن رجلا قرأ آية من القرآن فقال عمرو - يعنى بن العاص -: إنما هى كذا وكذا بغير ما قرأ الرجل فقال الرجل: هكذا أقرأنيها رسول الله ﷺ فخرجا الى رسول الله ﷺ حتى أتياه فذكرا ذلك له فقال رسول الله ﷺ إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فأى ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا في القرآن فإن مراء فيه كفر ]

ورواه الإمام أحمد عن أبى سلمة الخزاعى عن عبد الله بن جعفر عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن بسر بن سعيد عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص به نحوه فإن المراء فيه كفر إنه الكفر به

وهذا أيضا جيد ( حديث آخرعن ابن مسعود ) - قال ابن جرير: ثنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح عقيل بن خالد عن سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال: [ كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا ]

ثم رواه عن أبى كريب عن المحاربى عن ضمرة بن حبيب عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود من كلامه وهو أشبه والله أعلم

فصل

قال أبو عبيد: قد تواترت هذه الأحاديث كلها على الأحرف السبعة الا حديثا واحدا يروى عن سمرة ) ( ما ) حدثني عفان عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي ﷺ قال: [ نزل القرآن على ثلاثة أحرف ]

قال أبو عبيد: ولا نرى المحفوظ إلا السبعة لأنهاالمشهورة وليس معنى تلك ( السبعة ) أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه وهذا شيءغير موجود ولكنه عندنا أنه نزل على سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب - فيكون الحرف الواحد منها بلغة قبيلة أخرى والثانى بلغة أخرى سوى الأولى والثالثة بلغة أخرى سواهما كذلك إلى السبعة وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا فيها من بعض وذلك بين في أحاديث تترى

قال: وقد روى الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة العجرمن هوازن قال أبوعبيد والعجر هم بنوا أسعد بن بكر وخيثم بن بكرونصر بن معاوية وثقيف وهم علياء هوازن الذين قال أبو عمرو بن العلاء أفصح العرب علياء هوازن وسفلى تميم يعنى بنى دارم ولهذا قال عمر: لا يملى في مصاحفنا إلا غلمان قريش أو ثقيف قال ابن جرير: واللغتان الآخرتان قريش وخزاعه رواه قتادة عن ابن عباس ولكن لم يلقه

قال أبوعبيد: ثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه كان يسئل عن القرآن فينشد فيه الشعر

قال أبوعبيد: يعنى أنه كان يستشهد به على التفسير

وحدثنا هشيم عن أبى بشر عن سعيد أو مجاهد عن ابن عباس في قوله: { والليل وما وسق } قال: ما جمع أنشد: قد اتسقن لو يجدن سائقا

حدثنا هشيم: أنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى { فإذا هم بالساهرة } قال: الأرض قال: وقال ابن عباس: قال أمية بن أبى الصلت عندهم لحم بحر ولحم ساهرة

حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن ابراهيم بن مهاجر عن ابن عباس قال: كنت لا أدرى ما فاطر السموات والأرض ؟ حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أنا ابتدأتها إسناد جيد أيضا

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله بعد ما أورد طرفا مما تقدم: وصح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجمع إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبع بما يعجز عن إحصائه

ثم قال: وما برهانك على ما قلته دون أن يكون معناه ما قاله مخالفوك من أنه نزل بأمر وزجر وترغيب وترهيب وقصص ومثل ونحو ذلك من الأقوال فقد علمت قائل ذلك عن سلف الأئمة وخيار الأئمة ؟ قيل له: إن الذين قالوا ذلك لم يدعوا أن تأويل الأخبار التى تقدم ذكرها هو ما زعمت أنهم قالوه في الأحرف السبعة التى نزل بهاالقرآن دون غيره فيكون ذلك لقولنا مخالفا وإنما أخبروا أن القرآن نزل على سبعة أحرف يعنون بذلك أنه نزل على سبعة أوجه والذي قالوا من ذلك كما قالوا وقد روينا بمثل الذي قالوا من ذلك عن رسول الله ﷺ وعن جماعة من الصحابة من أنه نزل من سبعة أبواب الجنة كما تقدم يعنى كما تقدم في رواية أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود أن القرآن نزل من سبعة أبواب الجنة

قال ابن جرير: والأبواب السبعة من الجنة هى المعانى التى فيها من الأمر والنهى والترغيب والترهيب والقصص والمثل التى إذا عمل بها العامل وانتهى إلى حدودها المنتهى استوجب به الجنة ثم بسط القول في هذا بما حاصله أن الشارع رخص للأمة التلاوة على سبعة أحرف

ثم لما رأى الامام أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه إختلاف الناس في القراءة وخاف من تفرق كلمتهم جمعهم على حرف واحد وهو هذا المصحف الإمام قال: واستوسقت له الأمة على ذلك بل أطاعت ورأت أن فيما فعله الرشد والهداية وتركت القراءة بالأحرف الستة التى عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له ونظرا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها حتى درست من الأمة معرفتها وانعفت آثارها فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها وعفو آثارها - إلى أن قال: فإن قال من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله ﷺ وأمرهم بقراءتها ؟ قيل ان أمره أياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض وإنما إباحة ورخصة لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم لوجب أن يكون العمل بكل حرف من تلك الأحرف السبعة عند من تقوم بنقله الحجة ويقطع خبره العذر ويزيل الشك من قراءة الأمة وفى تركهم نقل ذلك في كذلك أوضح دليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين - إلى أن قال - فأما ما كان ممن اختلاف القراءة في رفع حرف ونصبه وجره وتسكين حرف وتحريكه ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة فعن معنى قول النبي ﷺ [ أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف ] بمعزل لأن المراء في مثل هذا ليس بكفر في قول أحد من علماء الأمة وقد أوجب ﷺ بالمراء في الأحرف السبعة الكفر كما تقدم

الحديث الثاني

قال البخاري رحمه الله:

ثنا سعيد بن عفير ثنا الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القارى حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: [ سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة النبي ﷺ فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله ﷺ فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التى سمعتك تقرأ ؟ قال: اقرأنيها رسول الله ﷺ فقلت: كذبت فإن رسول الله ﷺ قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله ﷺ فقلت: إنى سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله ﷺ: أرسله . اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التى سمعته يقرأ فقال ﷺ: كذلك أنزلت ثم قال: اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التى أقرأنى فقال رسول الله ﷺ: كذلك أنزلت إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ماتيسر منه ]

وقد رواه الإمام أحمد والبخاري أيضا ومسلم وأبوداود والنسائي والترمذي من طرق عن الزهري ورواه الإمام أحمد أيضا عن ابن مهدى عن مالك عن الزهري عن عروة عن عبدالرحمن بن عبد ( القارئ ) عن عمر فذكر الحديث بنحوه

وقد قال الإمام أحمد: ثنا عبد الصمد ثنا حرب بن ثابت ثنا إسحاق بن عبد الله ابن أبى طلحة عن أبيه عن جده قال: [ قرأ رجل عند عمر فغير عليه فقال: قرأت على رسول الله فلم يغير على قال: فاجتمعنا عند النبي ﷺ فقرأ الرجل على النبي ﷺ فقال له: قد أحسنت قال: فكأن عمر وجد من ذلك فقال رسول ال ﷺ له يا عمر إن القرآن كله صواب ما لم يجعل عذاب مغفرة ومغفرة عذابا ] وهذا إسناد حسن وحرب بن ثابت هذا يكنى بأبى ثابت لانعرف أحدا جرحه

أقوال العلماء في معنى السبعة الأحرف

وقد اختلف العلماء في معنى هذه السبعة الأحرف وما أريد منها على أقوال قال أبو عبد الله محمد بن أبى بكر بن فرح الأنصارى القرطبي المالكي في مقدمات تفسيره: وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان البستى ونحن نذكر منها خمسة أقوال

قلت: ثم سردها القرطبي وحاصلها ما أنا مورده ملخصا:

( الأول ) وهو قول أكثر أهل العلم منهم سفيان بن عيينة وعبد الله ابن وهب وأبو جعفر محمد بن جرير والطحاوى: أن المراد سبعة أوجه من المعانى المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعال وهلم وقال الطحاوى: وأبين ما ذكرفى ذلك حديث أبى بكرة قال: جاء جبريل إلى رسول الله ﷺ فقال: اقرأ على حرف فقال ميكائيل: استزده فقال: اقرأ على حرفين فقال ميكائيل: استزده حتى بلغ سبعة أحرف فقال: اقرأ فكل كاف شاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب بآية رحمة نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل

وروى ورقاء عن أبى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ { يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم }: للذين أمنوا أمهلونا للذين آمنواأخرونا للذين آمنوا أرقبونا وكان يقرأ { كلما أضاء لهم مشوا فيه }: مروا فيه سعوا فيه قال الطحاوى وغيره: وإنما كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات وذلك لما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش وقراءة رسول الله ﷺ لعدم علمهم بالكتابة والضبط واتقان الحفظ وقد ادعى الطحاوى والقاضي والباقلانى والشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ذلك كان رخصة في أول الأمر ثم نسح بزوال العذر وتيسير الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة

قلت: وقال بعضهم: إنما كان الذي جمعهم على قراءة واحدة أمير المؤمنين عثمان بن عفان أحد الخلفاء الراشدين المهديين المأمور بإتباعهم وإنما جمعهم عليها لما رأى من اختلافهم في القراءة المفضية إلى تفرق الأمه وتكفير بعضهم بعضا فرتب لهم المصاحف الأئمة على العرضة الأخير التى عارض بها جبريل رسول الله ﷺ في آخر رمضان كان من عمره علمه السلام وعزم عليهم أن لايقرءوا بغيرها وأن لا يتعاطوا الرخصة التى كانت لهم فيها سعة ولكنها أدت إلى الاختلاف والفرقة كما ألزم عمر الخطاب الناس بالطلاق الثلاث المجموعة حتى تتابعوا فيها وأكثروا منها قال: فلو أنا أمضيناه عليهم وأمضاه عليهم وكذلك كان ينهى عن المتعه في أشهر الحج لئلا تقطع زيارة البيت في غير أشهر الحج وقد كان أبو موسى يبيح التمتع فترك فتياه اتباعا لأمير المؤمنين وسمعا وطاعة للأئمة المهديين

( القول الثاني ) - أن القرآن نزل على سبعة أحرف وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله { وعبد الطاغوت } و{ يرتع ويلعب } قال القرطبي: ذهب إلى هذا القول أبو عبيد واختاره ابن عطية قال أبو عبيد: وبعض اللغات أسعد به من بعض وقال القاضي الباقلانى: ومعنى قول عثمان إنه نزل بلسان قريش أي معظمه ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريش كله قال الله تعالى: { قرآنا عربيا } ولم يقل قرشيا قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولا واحدا يعنى حجازها ويمنها وكذا قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر قال: لأن لغة غير قريش موجودة في صحيح القراءات كتحقيق الهمزات فإن قريشا لا تهمز وقال ابن عطية: قال ابن عباس: ما كنت أدرى معنى { فاطر السماوات والأرض } حتى سمعت أعرابيا يقول لبئرابتدأ حفرها: أنا فطرتها

( القول الثالث ) - إن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائله خاصة لقول عثمان أن القرآن نزل بلغة قريش وقريش هم بنو النضر ابن الحارث على الصحيح من أقوال أهل النسب كما ينطق به الحديث في سنن ابن ماجه وغيره

( القول الرابع ) - وحكاه الباقلاني عن بعض العلماء أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء منها ما لا تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل ( ويضيق صدري ) ويضيق ومنها ما لا تتغير صورته ويختلف معناه مثل ( فقالوا ربنا باعد - وباعد - بين أسفارنا ) وقد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل ننشزها وننشرها أو بالكلمة مع بقاء المعنى مثل ( كالعهن المنفوش - أو - كالصوف المنقوش ) أو باختلاف الكلمة واختلاف المعانى مثل ( وطلح منضود - وطلع منضود ) أو بالتقدم والتأخر: مثل ( وجاءت سكرة الموت بالحق - أو - سكرة الحق بالموت ) أو بالزيادة مثل ( تسع وتسعون نعجة - أنثى - وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين - فإن الله بعد إكراههن لهن غفور رحيم )

( القول الخامس ) - أن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن وهى أمر ونهى ووعد ووعيد وقصص ومجادلة وأمثال قال ابن عطية: وهذا ضعيف لأن هذه لاتسمى حروفا وأيضا فالاجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغييرشىء من المعانى وقد أورد القاضي الباقلانى في هذا حديثا ثم قال: وليست هذه هى التى أجاز لهم القراءة بها

فصل

قال القرطبي: قال كثير من علمائنا كالداودى وابن أبى صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع ليست هى الأحرف السبعة التى اتسعت الصحابة في القراءة بها وإنما هى راجعة إلى حرف واحد من السبعة وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف ذكره ابن النحاس وغيره قال القرطبي: وقد سوغ كل واحد من القراء السبعة قراءة الآخر وأجازها وإنما اختار القراءة المنسوبة إلية لأنه رآها أحسن وأولى عنده قال: ولقد أجمع المسلمون في هذه الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الاجماع على الصواب وحصل ما وعد الله من حفظه الكتاب

تأليف القرآن

قال البخاري رحمه الله: حدثنا ابراهيم بن موسى أنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال وأخبروني يوسف بن ماهك قال: إنى عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها اذ جاءها عراقى فقال: أي الكفن خير ؟ قالت ويحك ما يضرك ؟ قال ياأم المؤمنين أرينى مصحفك فقالت: لم ؟ قال: لعلى أولف القرآن عليه فإنه يقرأ غير مؤلف قالت: وما يضرك أية قرأت قبل ؟ إنما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس الى الاسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شىء نزل: لا تشربوا لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لاندع الزنا أبدا لقد نزل بمكة على محمد ﷺ وإنى لجارية ألعب { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر } وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وانا عنده قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور

والمراد من التأليف ههنا - ترتيب سوره وهذا العراقي سأل أولا عن أي الكفن خير أو أفضل فأخبرته عائشة رضي الله عنها أن هذا مما لا ينبغى أن يعتنى بالسؤال عنه ولا القصد له ولا الاستعداد فإن في هذا تكلفا لاطائل تحته وكانوا في ذلك الزمان يصفون أهل العراق بالتعنت فى الاسئلة كما سأل بعضهم عبد الله بن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب فقال ابن عمر: انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله ﷺ ولهذا لم تبالغ معه عائشة رضي الله عنها في الكلام لئلا يظن أن ذلك أمر مهم وإلا فقد روى أحمد وأهل السنن من حديث سمرة وابن عباس عن رسول الله ﷺ قال: [ البسوا من ثيابكم البياض وكفنوا فيها موتاكم فإنها أطهر وأطيب ] وصححه الترمذي من الوجهين وفى الصحيحين عن عائشة أنها قالت: كفن رسول الله ﷺ في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة وهذا محرر 1فى باب الكفن من كتاب الجنائز ثم سألها عن ترتيب القرآن فانتقل إلى سؤال كبير وأخبرها أنه يقرأ غير مؤلف أي مرتب السور وكأن هذا قبل أن يبعث أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه إلى الآفاق بالمصاحف الائمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم وقبل الالزام به والله أعلم ولهذا أخبرته أنه لا يضرك بأى سورة بدأت وأن أول سورة نزلت فيها ذكر الجنة والنار وهذه إن لم تكن ( اقرأ ) فقد يحتمل أنها أرادت اسم جنس لسور المفصل التى فيها الوعد والوعيد ثم لما انقاد الناس إلى التصديق أمروا ونهوا بالتدريج أولا فأولا وهذا من حكمة الله ورحمته ومعنى هذا الكلام أن هذه السورة أو السور التى فيها ذكر الجنة والنار ليست البداءة بها في أوائل المصاحف مع أنها من أول ما نزلت وهذه البقرة والنساء من أوائل ما في المصحف وقد نزلت عليه في المدينة وأنا عنده

فأما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة بل هو أمر توقيعى عن رسول الله ﷺ كما تقدم تقرير ذلك ولهذا لم ترخص له في ذلك بل أخرجت له مصحفها فأملت عليه أي السور والله أعلم وقول عائشة: لا يضرك بأى سورة بدأت يدل على أنه لو قدم بعض السور أو كما يدل عليه حديث حذيفة وهو في الصحيح أخرعليه السلام قرأ في قيام الليل البقرة ثم النساء ثم آل عمران

وقد حكى القرطبي عن أبى بكر بن الأتباري في كتاب الرد أنه قال: فمن آخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الايات وغير الحروف والكلمات وكان مستنده اتباع مصحف عثمان رضي الله عنه فإنه مرتب على هذا النحو المشهور

والظاهر أن ترتيب السور منه ما هو راجع إلى رأى عثمان رضيالله عنه وذلك ظاهر في سؤال ابن عباس له عن ترك البسلمة في أول براءة وذكره الأنفال من الطول والحديث في الترمذي وغيره بإسناد جيد قوي

وقد ذكرنا عن على أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله ولهذا حكى القاضي الباقلانى أن أول مصحفه كان اقرأ باسم ربك الأكرم وأول مصحف ابن مسعود { مالك يوم الدين } ثم البقرة ثم النساء على ترتيب مختلف وأول مصحف أبى { الحمد لله } ثم النساء ثم آل عمران ثم الأنعام ثم المائدة ثم كذا على اختلاف شديد

ثم قال القاضي: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ماهو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم وكذا ذكر مكي في تفسير سورة براءة قال: فأما ترتيب الآيات والبسملة في الأوائل فهو من النبي ﷺ وقال ابن وهب في طائفة: سمعت سليمان بن بلال يقول: سئل ربيعة لم قدمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة ؟ فقال: قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه وقد أجمعوا على العلم بذلك فهذا مما ينتهى إليه ولا يسئل عنه قال ابن وهب: وسمعت مالكا يقول: إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي ﷺ قال أبو الحسن ابن بطال: إنا نجد تأليف سورة في الرسم والخط خاصة ولا نعلم أن أحدا قال إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفى القرآن ودرسه وأنه لا يحل لأحد أن يتلقن الكهف قبل البقرة ولا الحج بعد الكهف ألا ترى إلى قول عائشة: لايضرك أية قرأت قبل [ وقد كان النبي ﷺ يقرأ في الصلاة السورة في ركعة ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التى تليها ] قال: وأما ما روى عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا وقالا: إنما ذلك منكوس القلب فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسة فيبتدئ بآخرها إلى أولها فإن ذلك حرام محظور ( ثم قال البخاري: ثنا آدم عن شعبة عن أبى اسحاق قال: سمعت عبدالرحمن بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود يقول في بنى إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء انهن من العتاق الأول وهن من تلادى. انفرد بإخراجه البخاري والمراد منه ذكر ترتيب هذه السور في مصحف ابن مسعود كالمصاحف العثمانية وقوله من العتاق الأول أي من قديم ما نزل وقوله وهن من تلادى أي من قديم ماقنيت وحفظت والتالد في لغتهم قديم المال والمتاع والطارق حديثه وجديده والله أعلم

حدثنا أبو الوليد ثنا شعبة أنا أبو اسحق سمع البراء بن عازب رضيالله عنه يقول: تعلمت { سبح اسم ربك الأعلى } قبل أن يقدم النبي ﷺ وهذا متفق عليه وهو قطعة من حديث الهجرة والمراد منه أن { سبح اسم ربك الأعلى } سورة مكية نزلت قبل الهجرة والله أعلم

( ثم قال ) ثنا عبدان عن أبى حمزة عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله: [ لقد علمت النظائر التى كان النبي ﷺ يقرؤهن اثنين اثنين في كل ركعة فقام عبد الله ودخل معه علقمة وخرج علقمة فسألناه فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن من الحواميم حم الدخان وعم يتساءلون ]

هذا التأليف الذي عن ابن مسعود غريب مخالف لتأليف عثمان رضي الله عنه فان المفصل في مصحف عثمان رضي الله عنه من سورة الحجرات إلى آخره وسورة الدخان لا تدخل فيه بوجه والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد: ثنا عبدالرحمن بن مهدى ثنا عبد الله بن عبدالرحمن الطائفى عن عثمان بن عبد الله ابن أوس الثقفى عن جده أوس بن حذيفة قال: [ كنت في الوفد الذين اتوا النبي ﷺ فذكر حديثا فيه أن النبي ﷺ كان سمر معهم بعد العشاء فمكث عنا ليلة لم يأتنا حتى طال ذلك علينا بعد العشاء قال: قلنا ما أمكثك عنا يارسول الله ؟ قال طرأ على حزب من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه قال: فسألنا أصحاب رسول الله ﷺ حين أصبحنا قال: قلنا كيف تخرجون القرآن ؟ قالوا نحزبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة سورة وثلاث عشرة سورة وحزب المفصل من ( ق ) حتى يختم ] ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبدالرحمن بن يعلى الطائفى به وهذا إسناد حسن

فصل

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق